السبت، 24 يوليو 2010

رسائل بوشمارو

رسائل بوشمارو إلى أمه*




       هو بوشمارو السويسري والده يدعى لشتالو .. كان قد مات في إحدى رحلاته للصيد .. و أمه تدعى لشتروما .. كان شابا مولعا بصيد الخنازير البرية في جبال الألب .. ذات ليلة انطلق مع كلبه و كان كلب صيد ماهرا .. كانت ليلة دامسة الظلام و الكلب يكتشف شيئا غريبا و يفقد هدوءه السويسري و تعتريه هستيريا الطراد .. لم يكن خنزيرا بريا حينما لمحه بوشمارو على ضوء البيلا .. استمرت المطاردة حتى شروق الشمس حينما اكتشف بوشمارو و كلبه نفسيهما أنهما قد دخلا ليبيا .. عرفا ذلك من صياد استطاع و كلبه الإمساك بالطريدة التي كانا يطاردانها فإذا هي صيد ليل .. شرح الصياد الليبي لزميله السويسري بلغة إنجليزية ركيكة حكاية صيد الليل الذي كان إنسانا و مسخه الله بهذه الصورة لذنب ما و أسمعه نص اللعنة : عيشتك جهير و مونتك حفير .. الكلب ينبح و العصا تنقح .. شاة مباح حلال بذباح و بلا ذباح .. و شرحها الكلب لزميله بلغة كلبية فصيحة لأن لغة الكلاب عالمية .. قال الكلب السويسري : - مسكين هالصيد أزعمه جده أيش داير؟

رد الكلب الليبي : - يستر الله بلكي حتى نا و ياك مساخيط كيفه



        أما بوشمارو فقد انهمك في تناول اللحم المشوي الذي يتذوقه للمرة الأولى .. سأل بوشمارو عن اسم المنطقة فأخبره زميله بأنها تسمى سيقرة و هي التي يقول فيها الشاعر :

لو كان يا ميلانو .. ياخذوا مكانك سيقرة و اردانو .. و تجي عندنا



       أرسل بوشمارو إلى أمه رسائل عديدة يحدثها فيها عن الليبيين و حياتهم و كيف يفكرون .. منها ولعهم بالضيق و عشقهم للقولبة و كرههم للتمايز .. فبينما لديهم أبجدية من 28 حرفا تعطيهم اختيارات متعددة تجد الأسرة على كثرة أولادها و بناتها توحد بداية أسمائهم لتبدأ جميعا بالحرف نفسه .. و ربما قادهم ذلك لتوحيد أسماء القبيلة لتبدأ بحرف واحد

       و من غريب ما لفت نظره أن فقيرهم يتزوج أكثر من واحدة ربما تحت شعار هي خاربة خاربة أو هو مو نايض مو نايض بينما يكتفي غنيهم بواحدة .. و إن الأمانة تلد و وليدها في التصعيد يهدى لأهلها .. و قد بعث إليها بشيء من صوب خليل بصوره السوريالية و حدثها عن الطيرة و الزرافة ليقول لها بأن الاتجاه السوريالي في الشخصية الليبية هو الغالب و هو عريق أصيل .. و قد بعث إليها بهذه القطعة الشعرية التي يبدو أنها أعجبته و هي تصب في الاتجاه ذاته :

رينا بصاير في السما يتماشن .. و جتّن بصيرة من بعيد و طاشن

بصاير عدة

و رينا بصيرة بينهن ممتدة

و جاهن بصير كبير واصل حده

كلا روسّن لاكن بلاهن عاشن

.. و كانت أمه تدعوه في رسائلها دائما للعودة إلى أرض الوطن و ترك الليبيين و أفكارهم الغريبة



و ننشر هنا إحدى رسائله التي ركز فيها على تعامل الليبيين مع الأرض .



في هذه الرسالة كتب بوشمارو يقول :

      أمي العزيزة الحمد لله أنك بصحة جيدة .. أما عن عودتي فاعذريني .. فلحم صيد الليل المشوي لا يماثله لحم في العالم كله .. كما أنني اكتشف من عجائب الليبيين ما لا يخطر على بال أي رسام أو كاتب سوريالي .. إن كاتب مسرحية في انتظار جودو لو عاش في ليبيا أسبوعا واحدا لما كتب تلك المسرحية .. و لأكتشف أن خياله السوريالي أو العبثي متواضع جدا .. كنت قد حدثتك عن بعض أفكارهم .. و منها ما سأحدثك عنه في هذه الرسالة و هو يتعلق بمعاملتهم للأرض .. من غريب ما لاحظته أن الليبيين يفرحون بالمطر الذي يحدث سيلا و يتباشرون بأخبار السيول و هي تنقل التراب إلى البحر .. و قد تعلمت من أصدقائي في الجبل الأخضر فنا أدبيا منتشرا في ليبيا و هو التغناي و التشتاي و هو تأليف الغناوي و الشتاوي و هو مثل (الهايك) الياباني .. و قد ألفت غناوة على موضوع السيل هذا .. تقول الغناوة :

السيل ف التراب إيشيل خراب و العرب فارحين به .

      و كتب لها ترجمتها .. ثم طوى الرسالة و وضعها بعنق كلبه المخلص كالعادة .. بعد شهر عاد الكلب حاملا رد أم بوشمارو .. كانت قد قرأت نص الغناوة أو الترجمة .. و ردت برسالة ليس بها إلا غناوة فقط .. تقول الغناوة :

اللي يفرحوا بالسيل عدو لرض ترجى خيرهم ؟





ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* لشتالو , لشتروما , بوشمارو : أسماء مواقع بمنطقة عين مارة









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق